فصل: مسألة يبيع الطعام فيأتيه صاحب له بطعام مأكول فقال أبدل لي هذا من طعامك:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة بيع شيء من الثمر رطبه بيابسه:

وقال ابن القاسم: لا يباع شيء من الثمر رطبه بيابسه، كان مما يدخر أو مما لا يدخر؛ حل رطبه واحد باثنين وصنفه، أو لم يحل؛ للنهي الذي جاء عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ في ذلك، ولا بأس بما لا يدخر من الفاكهة واحد باثنين أو ثلاثة أو ما شاء من صنفه، رطبه برطبه، ويابسه بيابسه، يدا بيد؛ ولا خير فيما يدخر من الفاكهة من صنف واحد إلا مثلا بمثل، يدا بيد؛ وقال: إنما أكره الرطب باليابس من صنف واحد، فإذا اختلفت الصنفان فلا بأس به.
قال محمد بن رشد: أما الرطب باليابس من الصنف الواحد الذي لا يجوز التفاضل فيه، فلا اختلاف في المذهب في أن ذلك لا يجوز، لما جاء في الحديث من «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل: عن الرطب بالتمر، فقال: أينقص الرطب إذا يبس؛ قالوا: نعم، قال: فلا إذا.» وأما الرطب باليابس من الصنف الواحد الذي يجوز فيه التفاضل، فاختلف فيه على ثلاثة أقوال حسبما مضى القول فيه في رسم يدير ماله من سماع عيسى من كتاب السلم والآجال، فلا معنى لإعادته. وأما قوله ولا خير فيما يدخر من الفاكهة من صنف واحد إلا مثلا بمثل، فهو قول مالك في موطئه؛ لأن كل ما يدخر منها فهي أقوات إذا احتيج إليها، ومذهب ما في المدونة عندي؛ وقد كان شيخنا الفقيه ابن رزق يتأول ما في المدونة على أن التفاضل جائز في الصنف الواحد من الفواكه التي تدخر، وليست بأقوات؛ وعلى هذا الاختلاف يختلف الأصوليون في تحرير علة تحريم التفاضل في الصنف الواحد من الطعام، فمنهم من يقول: هي أن يكون الصنف الواحد مدخرا مقتاتا أصلا للمعاش غالبا، وهو الذي يأتي عليه ما كان يحمل عليه الفقيه ابن رزق رَحِمَهُ اللَّهُ ما في المدونة. ومنهم من يقتصر على أن يقول: هي أن يكون الصنف الواحد مدخرا مقتاتا، ولا يزيد في صفة العلة أصلا للمعاش غالبا، وهو الذي يأتي عليه ما في هذه الرواية ومذهب مالك في موطئه.

.مسألة ابتاع ثوبا بنصف دينار وأحال البائع على المشتري غريما له بالثمن:

وسئل: عن رجل ابتاع من رجل ثوبا بنصف دينار وأحال البائع على المشتري غريما له بالنصف الدينار، فأعطاه فيه عشرة دراهم؛ ثم وجد المشتري عيبا بالثوب، بأي شيء يرجع على البائع؛ قال: بالنصف الدينار وليس بالدراهم.
قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة في سماع أصبغ من كتاب العيوب، وزاد فيها، وقاله أصبغ اتباعا، وفيه ضعف وغمز، ومضت أيضا مستوفاة بتحصيل الاختلاف فيها، وذكر معانيها وما يتعلق بها في أول سماع ابن القاسم من كتاب الصرف، فلا معنى لإعادته.

.مسألة يأتي إلى الجزار أو البياع فيقول له بعني كما تبيع من الناس:

وسألت ابن القاسم: عن الذي يأتي إلى الجزار أو البياع فيقول له بعني كما تبيع من الناس، قال: لا يصلح هذا في شيء من الأشياء؛ قلت: فإن وقع، قال: إن وقع وكان قائما بعينه، رد البيع وفسخ؛ فإن فات وكان مما يوجد مثله مثل القمح وغيره مما يكال أو يوزن كيله أو وزنه، فإن كان مما لا يوجد مثله مثل الثياب وغيرها كانت فيه القيمة.
قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة إذا قال له بعني كما تبيع من الناس فقال له نعم وأعطاه السلعة وانصرف بها دون أن يعلم كيف يبيع من الناس؟ لأنه انصرف بالسلعة على ثمن مجهول، ولو عقد معه البيع قبل أن يعلم كيف يبيع من الناس بأن يقول له بعني كذا وكذا رطلا، أو كذا وكذا إردبا، أو أمرا كذا، كما تبيع من الناس؛ فيقول له قد بعتك، ويقول له هو: وأنا قد اشتريت، قبل أن يعلمه بما يبيع من الناس؛ لكان العقد فاسدا وإن لم يفارقه ولا انصرف بالسلعة؛ وكذلك لو قال له بعني كذا وكذا كما تبيع من الناس، فقال له: قد بعتك فسكت هو ولم يزد على قوله الأول بعني على القول بأن ذلك إيجاب عليه، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك في أول رسم من سماع أشهب من هذا الكتاب، ومن كتاب العيوب؛ وأما لو قال له بعني كما تبيع من الناس، فقال له أبيع بكذا وكذا فقال له قد أخذت، وقال له هو: وأنا قد بعتك، لكان ذلك بيعا جائزا. فإن عثر على أنه قد كذبه فيما قال، كان الحكم في ذلك حكم الغش والخديعة، يكون له الخيار في القيام وترد السلعة إلى القيمة في الفوات إن كانت أقل من الثمن؛ وقوله إذا وقع وفات وكان مما يوجد مثله من المكيل والموزون، أنه يرد كيله أو وزنه؛ هو المشهور المعلوم من قول مالك وأصحابه، وقد مضى القول على ذلك في أول رسم من السماع.

.مسألة اشتري من جميع الأشياء مما لا يكال ولا يوزن فباع بعضها مرابحة:

قال ابن القاسم: ما اشتريت من جميع الأشياء مما لا يكال ولا يوزن فبعت بعضها، فلا تبع ما بقي منه ولا جزءا مما بقي منه مرابحة، حتى تبين أنك قد بعت منه؛ فإن لم تفعل وبعت مرابحة، وكتمت المشترى أنك قد بعت منه، كان بيعا مردودا يرده إن أحب؛ وإن فات، كانت فيه القيمة؛ وما اشتريت من جميع الأشياء مما يكال أو يوزن من الطعام وغيره كيلا أو وزنا فبعت بعضه، فلا بأس أن تبيع ما بقي أو بعض ما بقي مرابحة، ولا تبين أنك قد بعت منه شيئا، وليس عليك أن تبين.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة سواء، وعلى ما ذهب إليه ابن عبدوس من أن الجملة قد يزاد فيها مما لا يجوز أن يبيع مرابحة بعض ما اشترى جملة دون أن يبين وإن كان ذلك مما يكال أو يوزن؛ وعلى ما وقع في سماع أبي زيد هذا الكتاب، ومن كتاب السلم والآجال من أنه يجوز لمن اشترى طعاما إلى أجل بثوبين مستويين؛ أن يستقيل من أحدهما إذا حل الأجل بنصف الطعام، يجوز أن يبيع مرابحة بعض ما اشترى جملة دون أن يبين وإن كان ذلك مما لا يكال ولا يوزن إذا كانت الصفقة واحدة، وقد مضى القول على هذا السماع المذكور من كتاب السلم والآجال، وبالله التوفيق.

.مسألة اشترى ثيابا فلما خرج بها وسار بها من عنده زعم أنه أبدل له ثيابا:

ومن كتاب جاع فباع امرأته:
وسئل: عن رجل اشترى ثيابا، فلما خرج بها وسار بها من عنده زعم أنه أبدل له ثيابا، وأقر له بثلاثة أثواب أنه أبدلها، وادعى المشتري أكثر من ذلك؛ قال: يحلف بالله أنه ما أبدل إلا ثلاثة أثواب، ثم يرد الثلاثة أثواب إن كانت عنده أو قيمتها من جميع الثمن يقبض ثمنها على جميع الثياب إن كانت فاتت؛ إلا أن تكون خيار الثياب ووجه المتاع، وفيها كان يرجى الفضل، ومن أجلها اشترى المتاع؛ فإن كانت كذلك، وفاتت جميع الثياب إذا فاتت.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على أصولهم، وقوله فيها ثم يرد الأثواب إن كانت عنده، أو قيمتها من جميع الثمن... إلى آخر قوله، يريد: أو قيمتها من جميع الثمن إن لم تكن الأثواب عنده، وكانت قد فاتت، وذلك بعد يمينه؛ لقد فاتت فواتا لا يقدر على صرفها؛ إلا أن يصدقه المبتاع فيما ادعى من فواتها، فتسقط عنه اليمين في ذلك؛ وإن لم يشبه ما ادعى من فواتها وتبين كذبه في ذلك، اشتد عليه السلطان في صرفها فيما يراه في ذلك باجتهاده من سجن ونحوه.

.مسألة أتاه رجل بقراطيس فوضعها عنده يبيعها له فأراه بعضها:

وسئل: عن رجل أتاه رجل بقراطيس فوضعها عنده يبيعها له، فأراه بعضها وقال له بقيتها على هذه الصفة، أو وصفها له أو بعث بها إليه، أو كتب إليه بصفتها؛ فأتاه رجل فساومه بها فنظر منها إلى قنطار، وأخبره أنها بضاعة لرجل وضعها عندي أبيعها له، فوصفها أنها على القنطار الذي رأيت؛ أخبرني بذلك صاحبها أو كتب به إلي؛ فاشتراها على ذلك، وانقلب بها فوجد فيها قنطارا متغيرا مخالفا للصفة، ولما رأى منها، فأراد ردها؛ فقال البائع: لا أعرف هذا القنطار، فقال المشترى: احلف لي أن هذا القنطار ليس مما بعت لي، فقال: بل أحلف لك أني ما أعرف هذا القنطار، ولا دلست فيه؛ ولقد بعتك على ما وصف لي؛ قال ابن القاسم: ليس عليه أكثر من أن يحلف ما يعرف هذا القنطار ولا دلس فيه، ولقد باعه على ما وصف له، وليس عليه أكثر من ذلك؛ لأنه قد صدقه حين اشتراه منه على الصفة، وهذه المسألة قد تكلم فيها، وكتب فيها إلى مالك في الرجل يقف على البزاز فيقول له: أعندك ثياب قصب؟ فيقول: في هذه الصندوق كذا وكذا ثوب، من صفة كذا وكذا؛ فيساومه عليها فيبيع منه، ثم يذهب بالصندوق ويغيب عليه؛ ثم يرجع فيقول وجدتها مخالفة للصفة أو ناقصة من العدد، أو يقول وجدتها خيوشا؛ أنه لا يصدق وقد لزمه البيع، وعلى البائع اليمين بالله ما كذبه ولقد باعه على صفة ما كتب إليه؛ ولو كان هذا يجوز، ذهبت أموال الناس؛ فإذا صدقه على الصفة والعدد، فهو ضامن لما انقلب به.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في كتاب بيع الغرر من المدونة، والأصل فيها قوله عز وجل: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283]، والمشترى في هذه المسألة قد ائتمن البائع فيما وصفه له من صفة المبتاع وباعه عليه وصدقه على ذلك، إذ قبضه على قوله، واحتازه دون أن يقلبه وينظر إليه قبل أن يفارقه؛ فوجب أن يكون القول قول البائع مع يمينه- كما قال مالك، والله الموفق.

.مسألة يبيع الطعام فيأتيه صاحب له بطعام مأكول فقال أبدل لي هذا من طعامك:

ومن كتاب النسمة:
وقال ابن وهب وابن القاسم، في الرجل يبيع الطعام فيأتيه صاحب له بطعام مأكول، فقال: أبدل لي هذا من طعامك، فهل ترى له أن يفعل ويخلطه في الذي يبيع؟ قال ابن وهب: لا ينبغي هذا ولا يحل، وهذا من الغش الذي نهي عنه، وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من غشنا فليس منا». فليحذر هذا وما أشبهه، قال ابن القاسم: يبدله له ولا يخلطه.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم ليس بخلاف لقول ابن وهب، إذ لا يجيز ابن القاسم ولا غيره أن يبدله ويخلطه فيما بيع، ولا يمنع ابن وهب والله أعلم من أن يبدله له إذا لم يخلطه؛ فهو الذي يدل عليه قوله: لأنه سئل هل يبدله ويخلطه؟
فقال: إن ذلك لا يحل لأنه غش؛ ولو كان البدل عنده لا يجوز، لقال: إن ذلك غش وربا؛ وظاهر هذا من قولهما جميعا، إجازة البدل فيما قل من ذلك وكثر، وهو ظاهر ما وقع أيضا في سماع ابن القاسم من كتاب الصرف في رسم القبلة منه؛ ومنع من ذلك أشهب في المعفون والمأكول، وهو دليل ما في كتاب القسمة من المدونة من أنه لا يجوز الطعام المعفون بالطعام الصحيح، ولا بالطعام المعفون، إلا أن يشبه بعضه بعضا ولا يتفاوت؛ وأجاز ذلك سحنون في المعفون، ولم يجزه في المأكول.

.مسألة النواتية الذين يحملون التلاليس إلى البر فتسقط في البحر:

قال ابن القاسم، في النواتية الذين يحملون التلاليس إلى البر فتسقط في البحر: إنه من المشتري.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال، لا إشكال فيه؛ لأنه إذا اشترى المتاع في المركب فسقط في البحر في إخراجه من المركب، فضمانه من المشتري؛ لأنه إنما يخرج من المركب على ملكه؛ ولو اشتراه وشرط على البائع أنه ضامن لما يصيبه في إخراجه من البحر، لكان البيع فاسدا؛ لأنه اشترى شيئا بعينه على أن البائع ضامن لما أصابه، فصار مبتاعا للضمان.
وقد قال ابن القاسم في الذي يبيع الجارية أو العبد على أن عليه جوازه من الماكس، قال: لا يعجبني ذلك؛ لأنه لا يدري كم يغرم في ذلك، وقال: جميع الأشياء التي لا تجتاز من الماكس إلا بغرم، كذلك لا خير في ذلك؛ وإن قبض ذلك أو كان ضمانه منه، فلا خير في ذلك؛ وليس ذلك بمنزلة الذي يشتري الطعام بعينه ويستوفيه، ويكون ضمانه منه؛ إلا أن عليه حملانه فلا بأس به، وهذا ليس فيه غرر، وإنما عليه حملانه بأي الوجوه شاء: إن شاء على سفينته، وإن شاء على دابته، أو كيف شاء، وبالله التوفيق.

.مسألة ابتاع طعاما ونقد بعض الثمن إلى أن يأتيه بالبقية:

ومن كتاب أوله يدير ماله:
وقال فيمن ابتاع طعاما ونقد بعض الثمن إلى أن يأتيه بالبقية، ثم بدا له فأراد أن يعطيه من الطعام بعدة ما نقد، ويستقيل من البقية؛ قال: لا بأس به؛ فإن كان قد نقد الثمن كله، فلا يصلح أن يأخذ بعضا ويستقيل من بعض، إلا أن يكونا لم يفترقا ولم يغب على الدنانير.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة مكررة في رسم البيوع العاشر من سماع أصبغ من كتاب السلم والآجال، وقلنا فيها هناك: إن الصحيح فيها على أصولهم، أن الإقالة من البعض جائزة وإن نقده الثمن كله؛ إذ ليس في نفس الإقالة فساد، وإنما يوجد الفساد في ذلك بمجموع الصفقتين إذا اتهما في ذلك؛ فوجب أن يجوز إذا لم يكونا من أهل العينة؛ لأن بيوع النقد لا يتهم فيها إلا أهل العينة على ما مضى في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من الكتاب المذكور، وفي غيره من المواضع.

.مسألة يبيع الصبي الصغير على أن ينفق عليه عشر سنين ثم يعتق المشتري الصبي:

ومن كتاب البراءة:
قال: وسألته: عن الرجل يبيع الصبي الصغير على أن ينفق عليه عشر سنين ثم يعتق المشتري الصبي، أو يبيعه، أو يموت؛ قال: ينظر كم نفقة العشر سنين، وكم قيمة الصبي، فإن كان الصبي نصف القيمة أو ثلثي القيمة، رجع إلى الثمن، فوضع بقدر ذلك بعض الثمن على قيمة العبد، وقيمة النفقة؛ ثم يرد من الثمن بقدر الذي أصابه، وهو بيع جائز وإن لم يفت، وإنما يقوم هو والنفقة يوم بيع.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة رديئة حائلة من مسائل المجالس لم تدبر، إذ لا يصلح أن يكون هذا البيع جائزا مع ما فيه من الغرر والفساد؛ لأن المشتري إذا اشترى الصبي على أن ينفق البائع عليه عشر سنين، وكان له أن يبيع الصبي أو يعتقه؛ فيرجع على البائع من الثمن بقدر ما يقع عنه لما بقي من النفقة، كان ما يسترجع من الثمن مرة سلفا، ومرة ثمن بيع؛ وصار البائع لا يدري هل يصح له جميع الثمن الذي قبض بما التزم من النفقة أو يجب عليه رد بعضه ويسقط عنه النافقة، وذلك من أبين الغرر والفساد؛ ولا يخلو البيع على هذا الشرط من أحد وجهين: فإما أن يكون المبتاع شرط أن يكون الصبي الذي اشترى عنده ويأخذ نفقته من البائع عشر سنين شهرا شهرا أو سنة سنة، وإما أن يكون مع البائع يأكل معه يده كيده، كواحد من جملة عياله، فإن كان البيع وقع على أن يكون الصبي عند المبتاع ويأخذ نفقته من البائع عشر سنين؛ جاز البيع ولم تسقط النفقة عن البائع بموت الصبي، ولا ببيعه، وكان للمبتاع أن يأخذه بها.
وإن كان العبد قد خرج عن ملكه بوجه من هذه الوجوه، كما لو اشترط ذلك؛ وإن كان وقع على أن يكون الصبي من البائع يأكل معه يده كيده لم يجز عند ابن القاسم، إلا أن يكون على أنه إن مات الصبي أو باعه أو أعتقه، أتاه بمثله ينفق له عليه إلى تمام المدة، يعلم أن هذا مذهبه من قوله في المدونة في الذي يبيع الأمة على أن ترضع ابنا لها سنة: إن هذا جائز إذا كان إن مات أرضعوا له آخر، وهو على أصله في الراعي يستأجر على رعاية غنم بأعيانها، أن ذلك لا يجوز إلا بشرط الحلف، ويجوز عند سحنون، وإن لم يشترط إن مات الصبي أو باعه أو أعتقه، أتاه بمثله؛ وقد مضى ذلك من مذهبه، والقول فيه في الذي يبيع أمة له على أن ترضع ابنا لها سنة في أول رسم من سماع ابن القاسم؛ وهو أيضا على أصله في الأجير على رعاية غنم بأعيانها، أن الحكم يوجب الحلف وإن لم يشترطه.
وإن اختلف المتبايعان فقال البائع إنما شرطت على أن يكون الصبي يأكل عندي يده كيدي كواحد من عيالي، وقال المبتاع: بل شرطت عليك أن يكون عندي، وآخذ منك نفقته شهرا بشهر، وسنة بسنة، أو نحو ذلك؛ وجب أن يتحالفا ويتفاسخا؛ وإن وقع البيع بينهما فهما في ذلك، فقال البائع: إنما أردت كذا، وقال المبتاع: إنما أردت كذا، تحالفا على نياتهما؛ وفي قوله: أو يعتق المشتري الصبي- نظر؛ إذ لا تسقط النفقة عمن أعتق صغيرا لا يقوم بنفسه، فلعله أراد إذا أعتقه بعد أن بيع مبلغا يقوم بنفسه.

.مسألة لقي رجلا ومعه دهن فابتاعه منه بمائة دينار نقدها إياه:

وسألته: عن رجل لقي رجلا في بعض الأسفار ومعه دهن، فابتاعه منه بمائة دينار نقدها إياه، قبض المبتاع الدهن، فقال له: إنك على سفر ولا تستطيع كيله الآن؛ فقال له البائع: فيه كذا وكذا تزنه وأنت فيه مأمون، فما نقص فعلي أوفيكه؛ أو كان اشتراه بنظرة فائتمنه على كيله، وقال: ما نقص أوفيكه، وقبض في كلا الوجهين أو لم يقبض؛ قال ابن القاسم: أما الذي اشتراه بنقد وقال تزنه فما نقص فعلي أوفيكه، فإن كان يزنه عند مواجبة البيع، أو قريبا الميل وما أشبهه، وكان الذي يزيده إن نقص من عصر دهنه الذي باعه، فلا بأس به؛ وإن كان وزنه يتأخر الأيام أو إلى موضع ينتهي به إليه، فإنه لا يحل، إن ضمانه على البائع؛ فلا يحل أن ينقده على أنه ضامن له إلى بلد، ولو لم ينقده ما حل أن يبيعه إياه على أن يكتاله ببلد آخر وكذلك يقول بعض أهل العلم فيما يشبه؛ وإن كان ما يزيده ليس من عصره ولا من صنفه حتى يكون مثله في الجودة، لم يجز وإن وزنه بحضرة ذلك؛ لأن الذي ينقص لا يدري كم ذلك وهو يزيده إن نقص مخالفا لما باعه، فلا خير فيه؛ إلا أن يكون من عصره ومن صنفه، ويزيده بحضرة ذلك، فلا بأس به؛ وكذلك إن باعه بثمن إلى أجل، فإن كان اتزنه مكانه ويوفيه ما نقص من دهن مثله من عصره فلا بأس بذلك؛ وان اختلف، فلا خير فيه؛ وإن كان يكيله ببلد غير البلد الذي اشتراه به، فلا يحل؛ لأنه يزيده في ثمنه على أن يضمنه له إلى ذلك البلد؛ لأن كل ما يكال أو يوزن إذا اشتراه رجل كيلا أو وزنا، فضمانه من البائع حتى يستوفيه المبتاع، وهو غرر لا يجوز، وهو وجه ما سمعت.
قلت: فإن كان اشتراه ليزنه ببلد، فحمله إليها ثم أدرك؛ هل يفسخ البيع بينهما؟ قال: إن كان أدرك قبل أن يفوت فسخ البيع بينهما؛ وإن فات الدهن، رد إليه مثله إن كان يعرف مثله حيث قبضه منه، لا حيث اتزنه؛ فإن فات وكان لا يعرف مثله، فله قيمته حيث قبضه منه أيضا.
قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قال: إنه لا يجوز له أن يشتري الدهن كيلا أو وزنا على أن فيه كذا وكذا، فيقبضه على أن يزنه إلى أيام، أو في البلد الذي يصير إليه إن كان مسافرا؛ ولا على أن يزنه فحضر بحضرتهما على أن يزيده ما نقص إن نقص من صنف آخر؛ لأنه في الأول اشتراه على أن البائع ضامن له حتى يصل إلى ذلك البلد، وحتى تنقضي تلك الأيام، فكان قد زاده في الثمن لموضع الضمان، وذلك مما لا يحل ولا يجوز، كان الثمن نقدا أو إلى أجل؛ وفي الثاني غرر، إذ لا يدري هل يأخذ من الصنف الآخر شيئا ولا مقدار ما يأخذ منه إن أخذ؛ إذ قد لا ينقص الدهن، وقد ينقص قليلا، وقد ينقص كثيرا؛ وأجاز ابن كنانة أن يشتريه على أن يزنه في البلد الذي يسير إليه إذا كان على مسير عشرة أميال فدون، ولا يجوز في أبعد من ذلك.
وروى عيسى عن ابن القاسم في المدنية: أنه لا خير فيه في عشرة أميال، وهو نحو قوله في هذه الرواية؛ لأنه لم يجز ذلك فيها، إلا إلى الموضع القريب الميل وما أشبهه.
وأما قوله في آخر المسألة إذا اشتراه على أن يزنه ببلد آخر فحمله إليه، أنه إن أدرك بيده قبل أن يفوت فسخ البيع بينهما، يريد عرف مثله أو لم يعرف، وإن فات كان على المبتاع مثله حيث قبضه إن عرف مثله، وقيمته حيث قبضه إن لم نعرف مثله، ففيه نظر؛ لأنه إذا جعل المثل فيما يعرف مثله إذا فات كالعين، وقال: إنه يكون على المبتاع مثله حيث قبضه، وجب على قياس ذلك أن يستوي قيامه وفواته، وألا يكون عليه إذا أدرك بيده في البلد الذي حمله إليه إلا مثله أيضا حيث قبضه.
وكذلك قال في رسم استأذن قبل هذا في البيع الفاسد، ولو كان طعاما ما لم يرده عليه إلا بالإسكندرية حيث قبضه؛ وأما إذا لم يعرف كيله فحكمه حكم العرض تفيته حوالة الأسواق، كذلك في كتاب ابن المواز؛ فقوله: إن البيع يفسخ بينهما إن أدرك بيده في البلد الذي حمله إليه قبل أن يفوت، يريد بحوالة الأسواق أو غير ذلك؛ ولم ير نقله من بلد إلى بلد فوتا له، وفي ذلك اختلاف قد ذكرناه؛ وبينا وجهه في رسم استأذن المذكور، ويعرف مثله بأن تكون الظروف التي كان فيها حاضرة لم تفت، وبالله التوفيق.

.مسألة يبيع الفصيل أو شيئا من أولاد البهائم على أن رضاعه على أمه:

ومن كتاب أوله إن أمكنتني من حلق رأسك:
وقال في الذي يبيع الفصيل أو شيئا من أولاد البهائم على أن رضاعه على أمه، قال: بلغني أن المهر إذا ماتت أمه لم يقبل على غيرها؛ فنحن نرى إذا كان الرضاع ضامنا على البائع إن ماتت الأم، أخلف مكانها من موضعه، وكان من البهائم التي لا تبالي بموت أمهاتها وهو يقبل على غير أمه إن ماتت، ولم يضره ذلك شيء، فالبيع جائز، والرضاع يضمنه إلى فطام مثله؛ فإن كان من البهائم التي إذا ماتت أمهاتها لم يقبل على غيرها إلا بعناء، أو لا يقبل حتى يخاف عليه الموت أو النقصان في كبره ونباته؛ فلا أرى في هذا خيرا؛ لأن هذا من وجه المخاطرة والغرر.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة ليست على الأصول؛ لأنه أجاز لمشتري المهر أن يشترط رضاع أمه إذا كان الرضاع ضامنا على البائع إن ماتت الأم، أخلف مكانها من يرضعه؛ ولا يجوز أن يستأجر الرجل أمة ترضع ابنا له على أن الرضاع ضامن على سيدها إن ماتت أخلف له مكانها من ترضع ابنه حتى ينقضي أمد رضاعه؛ ولا أن يستأجر مرضعة حرة على أنها إن ماتت كان في مالها خلفها؛ ولا أن يتكارى راحلة بعينها على أنها إن عطبت، أتاه المكري بعوضها؛ وشرطه في ذلك أيضا أن يكون المهر من البهائم التي لا تبالي بموت أمهاتها، غير صحيح؛ إذ لو لم يجز شراء المهر على أن يكون رضاعه على أمه إذا كان من البهائم التي لا تقبل غير أمهاتها، وكان ذلك غررا مخافة أن تموت أمه فلا يقبل رضاع غيرها فيهلك؛ لما جاز شراؤه مع أمه مخافة أن تموت أمه فيهلك، إذ ما لا يجوز شراؤه منفردا لغرره، لا يجوز إذا انضاف إليه غيره؛ ولو اشترى شيئا من أولاد البهائم التي لا تقبل غير أمهاتها ولا تعيش دون رضاع ولا أم له، أو على أن لا يكون على البائع أن يرضعه أمه؛ لوجب ألا يجوز البيع إذا كان من البهائم التي لا تؤكل؛ لأنه من بيع ما لا منفعة فيه، وأكل المال بالباطل؛ فالذي يوجبه النظر في هذه المسألة، أن يكون شراء الصغير من أولاد البهائم على أن يكون رضاعه على أمه جائزا إذا لم يشترط الخلف إن ماتت كان مما يقبل غير أمه، أو لا يقبل؛ فإن ماتت الأم قبل أن ينقضي أمد فطام مثله، رجع على البائع بالثمن بما ناب منه ما بقي لأمد فطامه.
ووجه العمل في ذلك: أن ينظر إلى قيمة الرضاع وقيمة المهر، فإن كان في التمثيل قيمة الرضاع ديناران، وقيمة المهر عشرة دنانير، وكان قد مضى من أمد الرضاع النصف، رجع المبتاع على البائع بنصف سدس الثمن الذي دفع إليه؛ لأنا علمنا أن سدسه وقع للرضاع وقد استوفى نصفه، فرجع عليه بنصفه.

.مسألة رجل دبغ جلود ميتة فباعها واشترى بثمنها غنما فنمت وتوالدت:

وسئل: عن رجل دبغ جلود ميتة فباعها واشترى بثمنها غنما، فنمت وتوالدت، ثم أراد أن يتوب مما صنع؛ قال: يتصدق بثمن الجلود التي باعها به، وليس بالغنم الذي اشترى؛ قال عيسى: إن وجد الذي باع منه الجلود أو ورثته إن كان قد مات، دفع ذلك إليه أو إليهم؛ فإن لم يجده ولا ورثته، تصدق به؛ فإن جاء بعد ذلك، خير بين الصدقة والثمن كاللقطة.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم إنه يتصدق بثمن الجلود الذي باعها به إذا أراد التوبة، معناه: إذا فات الأمر وبعد، ولم يعلم المشتري ولا ورثته؛ وهذا على الاستحسان والتورع، مراعاة لقول من لا يجيز بيع جلد الميتة ولا الانتفاع به على حال- دبغ أو لم يدبغ؛ وليس على حقيقته ما يوجبه القياس على قوله وروايته عن مالك في إجازة الانتفاع بجلود الميتة إذا دبغت، وإلزام القيمة فيها لمن استهلكها قيمة الانتفاع؛ والذي يجب عليه واجبا على مذهبه، أن يتصدق بما زاد الثمن الذي قبض من المبتاع في الجلود على قيمة الانتفاع بها؛ إذ من حقه أن يرجع على المبتاع بقيمة انتفاعه بها، فيقاصه بذلك من الثمن؛ لأن انتفاعه بها غلة، والغلة لا تكون للمبتاع إلا بالضمان، وهو ليس بضامن الجلود إن تلفت، وهذا إن لم يعلم المبتاع، ولا قدر على رد ذلك إليه. وقول عيسى: إنه إن وجد الذي باع الجلود منه أو ورثته، دفع ذلك إليه أو إليهم- ليس ببين؛ إنما ينبغي أن يدفع إليهم أو إليه ما زاد الثمن على قيمة الانتفاع، ويمسك الباقي أو يتصدق به إن أراد التورع، ويلزم الذي اشترى الجلود إن باعها ما يلزم بائعها الأول؛ وكذلك إن باعها المشتري الثاني من ثالث، والثالث من رابع أبدا ما تداولتها الأملاك، وبالله التوفيق.

.مسألة المريض يبيع في مرضه وهو ليس في عقله:

ومن كتاب القطعان:
وسئل: عن المريض يبيع في مرضه وهو ليس في عقله، فيريد المبتاع أن يرد، ويأبى هو ذلك بعد صحته، أو ورثته بعد موته، أن البيع لازم للمشتري إن رضي البائع أو ورثته.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأنه ليس ببيع فاسد؛ وإنما هو بيع للبائع فيه الخيار من أجل أنه لم يكن في عقله كبيع السكران على مذهب من لا يلزمه البيع، وقد مضى القول على ذلك مستوفى في أول سماع ابن القاسم من كتاب النكاح، وبالله التوفيق.

.مسألة باع وليدة واستثنى جنينا في بطنها:

ومن كتاب الفصاحة:
قال عيسى: قال ابن القاسم، في رجل باع وليدة واستثنى جنينا في بطنها، فإنه إن أدرك البيع بحدثان ذلك فسخ؛ وإن فاتت الوليدة بولادة، أو طول زمان، أو اختلاف أسواق، أو موت، أو عتق، أو بيع، أو هبة؛ مضى البيع وكانت فيها القيمة يوم قبضت الأمة على غير استثناء بالغة ما بلغت؛ وإن ولدت وقبض مستثنى الجنين الجنين فعثر عليه بحدثان قبضه، رد إلى مبتاع الأمة وغرم قيمتها؛ وإن فات الجنين عند مستثنيه بطول الزمان، أو بشيء من وجوه الفوت؛ كان للبائع على المبتاع قيمة الأم يوم باعها على غير استثناء، وكان للمبتاع على البائع قيمة الجنين يوم قبضه؛ ثم يتقاومان الجنين والأم، أو يبيعان من واحد إن عثر على ذلك قبل إثغار الصبي، للنهي عن التفرقة.
قال: واستثناء الجنين في بطن أمه بمنزلة اشترائه، سواء العمل في اشترائه كما وصفت لك في استثنائه؛ وكذلك لو اشترى بعيرا في شراده، أو عبدا في إباقه، فإنه إن أدرك قبل أن يقبض المشتري ما اشترى، أو بعد قبضه إياه؛ ما لم يفت في يديه بوجه من وجوه الفوت، فسخ البيع بينهما ورد إلى البائع ما باع من ذلك، لا يكون للمشتري شيء في طلبه إياه؛ وإن فات بوجه من وجوه الفوت، كان على المشتري قيمته يوم قبضه بالغة ما بلغت؛ قال عيسى: وهذا قول ابن القاسم عن مالك كله، إلا في قبض مستثني الجنين الجنين، فإنه رأيي.
قال محمد بن رشد: لم يختلف قول مالك ولا قول أحد من أصحابه فيما علمت أنه لا يجوز بيع الأمة، ولا بيع شيء من الحيوان واستثناء ما في بطنها؛ لأنهم رأوا البائع مبتاعا للجنين بما وضع من ثمن الأم، لمكان استثناء جنينها؛ فكأنه على مذهبه ومذهبهم باع الأمة بالثمن الذي سمي، وبالجنين الذي استثنى، وإن كان قد اختلف قوله وأقوالهم في المستثنى هل هو مبقي على ملك البائع، أو بمنزلة المشترى في غير ما مسألة؛ من ذلك اختلاف قوله فيمن باع ثمرة حائطه واستثنى منها مكيلة مسماة، هل يجوز له بيعها قبل أن يستوفيها أم لا؟
وقد مضى ذلك في رسم مرض من سماع ابن القاسم، وفي غير ما موضع؛ فيأتي على قياس القول بأن المستثنى مبقى على ملك البائع، إجازة بيع الحامل واستثناء ما في بطنها؛ وعلى هذا إجازة من أجازه من أهل العلم، منهم الأوزاعي، والحسن بن حي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وداود؛ وروي ذلك عن عبد الله بن عمر؛ فإذا باع الرجل الحامل واستثنى ما في بطنها، فهو على مذهب مالك وأصحابه بائع للأمة، ومبتاع لما في بطنها صفقة واحدة؛ فوجب أن تكون البيعتان فاسدتين، وعلى هذا يأتي جوابه في الرواية أن البيع يفسخ في الأمة ما لم تفت عند المبتاع بعد القبض بما يفوت به البيع الفاسد، فصحح عليه بالقيمة يوم القبض، وأنه يفسخ في الجنين ما لم يفت عند البائع الذي هو مبتاع له، فيصحح عليه بالقيمة يوم قبضه، ورأى الولادة في الأمة فوتا على أصولهم في أنها تفيت البيع الفاسد؛ لأنها أشد من حوالة الأسواق التي تفيته؛ وذهب ابن حبيب إلى أن الولادة لا تفيتها، ومعنى ذلك إذا لم يكن معها مرض يتغير به حالها، وعزا ذلك إلى أصبغ.
ووجه ما ذهب إليه من أن الولادة لا تفيت الأمة في البيع الفاسد؛ إذا استثنى جنينها، بخلاف إذا بيعت بيعا فاسدا ولم يستثن جنينها، أن الولادة إذا لم يكن معها مرض يتغير به حالها، فالولد إذا لم يستثن نماء فيها تفوت به؛ وإذا استثنى، فليس بنماء فيها؛ إذ كان البيع لم يقع عليه.
وقول ابن القاسم أصح؛ لأن البيع إنما فسد بوقوع البيع عليه، ولو لم يقع عليه البيع وكان مبقى على ملك البائع، لكان البيع جائزا على ما ذهب إليه من أجازه. وقوله إذا اشترى بعيرا في شراده، أو عبدا في إباقه، فعثر على ذلك قبل أن يفوت عند المبتاع؛ أن البيع يفسخ فيه ولا يكون للمشتري شيء في طلبه إياه؛ صحيح على ما في المدونة من أن من جاء لرجل بعبده الآبق، فلا جعل له فيه عليه إذا لم يكن ممن يطلب الإباق، وإنما الاختلاف إذا وجده بجعل جعله فيه فعثر على ذلك قبل أن يفوت عنده، فيفسخ البيع.
فقيل: إن للمشتري أن يرجع على البائع بما جعل في طلبه، قاله في كتاب ابن المواز؛ وقيل: إن الجعل على الجاعل، ولا يرجع به على البائع، وهو مذهب ابن القاسم؛ قاله في رسم محض القضاء من سماع أصبغ من كتاب الجعل والإجارة في الذي يجعل جعلا لرجل في طلب عبده ثم يستحقه مستحق، أن الجعل عليه ولا رجوع له به على المستحق، ولا فرق بين المسألتين؛ والاختلاف في هذا مبني على الاختلاف في السقي والعلاج، هل يحاسب بهما إن استحق الشيء من يده إذا أخذ المستحق الثمرة، إذ البيع الفاسد مثله سواء، وذهب ابن المواز إلى أن يكون الجعل على الجاعل، ويكون له على البائع والمستحق جعل مثله، إلا أن يكون أكثر مما غرمه الجاعل، وبالله التوفيق.